الاعاقة الذهنية بين المواثيق الدولية والخصوصية المغربية
وأنا اتصفح منشورا دعائيا لائتلاف الجمعيات المغربية العاملة لأجل الصحة النفسية التي عقدت ندوتها يوم 4 ماي 2016 بالمكتبة الوطنية للمملكة، آثار انتباهي توجس بعض العاملين في هذا القطاع من مسألة تبني العمل بالمواثيق الدولية والتشريعات الموازية المتعلقة بالصحة النفسية والعقلية للمريض من منطلق كون العمل بمقتضاها ليس إلا انخراطا أعمى في منظومة القيم الملازمة لعولمة الاقتصاد التي تجتاح بلدان العالم وتهدد مقومات هويتها و الخصوصيات الثقافية التي تؤطر نظرة مجتمعاتها إلى المرض العقلي والنفسي .
حقا تروم هذه الوجهة من النظر مراعاة الخصوصية المغربية من حيث نجاعة منظومة قيمنا المبنية على التضامن والتآزر والتكافل التي كانت الى حدود الماضي القريب سمة ملازمة للمجتمع المغربي؛ لكنها بالمقابل تتجاهل الأعطاب التي تلازم الآن النظرة السلبية التمييزية للمجتمع الراهن تجاه المرض العقلي، إذ ساهمت عوامل شتى منها الهجرة القروية و تفكك الأسرة وتفشي الأمية ومحدودية فرص الشغل وضعف الخدمات الصحية والاجتماعية في انحسار الدور الوقائي الذي كان يقوم به المجتمع في مرحلة ماضية، بحيث اضحى المريض العقلي راهنا وبتأثير للعوامل المذكورة وغيرها ، كائنا مخيفا وظاهرة سلبية في المجتمع تبرر إقصاءه ونبذه وتشريده بل والإمعان في سلبه كافة حقوقه الطبيعية .
أعطاب شتى كان أبرز تمظهراتها تلك التي انتبهت إليها وزارة الصحة في معتقل بويا عمر التي جعلتنا نستيقظ على واقع مأساوي مرير انعدمت فيه أبسط شروط الحياة الإنسانية .هي إذن أعطاب تكفي لتجاوز كل ما من شأنه أن يجعلنا نتحفظ على التشريعات الدولية . وتكفي أكثر من أي وقت مضى لإعادة النظر في إشكالية المرض العقلي في بلادنا والتفكير في شتى المقاربات التي ترفع التمييز عن المرضى العقليين والنفسيين مع ايلاء المقاربة الحقوقية مكانة أساسية في عملية تغيير نظرة المجتمع والمؤسسات بل وكل السياسات التي تتصل من قريب أو بعيد بمعالجة معضلة الإعاقة العقلية بما فيها البحث العلمي لفهم طبيعة التحولات الاجتماعية الراهنة في تفاعلاتها بتأثيرات العولمة ومن ثم العمل بالاتفاقية الدولية لحقوق ذوي الإعاقة والإعاقة العقلية التي تم التوقيع عليها من طرف المغرب بتاريخ 8 أبريل 2009 .ذلك أن العمل بمقتضاها وبتساوق مع التجربة التي اكتسبها المغرب فيما يخص تدبيره للصحة العقلية والنفسية منذ ظهير 59 سيعطي بلا شك دفعة قوية للمجهودات المبذولة في هذا الاطار وسيعيننا على التفكير في الوسائل التي تجعلنا غير منفعلين فقط بنسق العولمة وخاضعين لارغاماتها بل فاعلين ومتفاعلين ايجابا مع مختلف سياقات التطور الذي تعرفه منظومة القيم والحقوق الإنسانية التي أصبحت كونية شاملة وضرورية لكافة مناحي الحياة داخل المجتمع . كما أن العمل بمقتضى الاتفاقية المذكورة واستدماجها في الخصوصية المغربية هو مدخل اساسي للارتقاء بنظرة المجتمع المغربي وتنقيح تصوره لمفهوم الإعاقة العقلية. ويبقى الأهم في كل ذلك هو محاربة كل أشكال التمييز الذي تعاني منها هذه الشريحة المعطوبة.
تحرير / محمد الاخضر