اختفاء مفاجئ لمنصة رقمية كانت تعد المغاربة بأرباح…مرة أخرى “الكذاب يغلب الطماع”

استفاق مئات المواطنين المغاربة، في الآونة الأخيرة، على واقع مؤلم بعد الاختفاء المفاجئ لمنصة رقمية كانت تعدهم بأرباح سهلة وسريعة. منصة راج اسمها بقوة في الأشهر الماضية، تحولت في لحظة من “فرصة ذهبية” إلى تجربة قاسية كشفت من جديد هشاشة الوعي الرقمي لدى فئات واسعة من المجتمع.
لم تكن الحيلة جديدة، بل قديمة قِدم الطمع الإنساني نفسه. وعود بعوائد يومية مقابل مهام رقمية بسيطة: مشاهدة إعلان، نقرة زر، مشاركة رابط. أرباح تبدو مغرية، ومنطقها بسيط في الظاهر، لكنها في العمق تناقض أبسط قواعد الاقتصاد. وهنا يستحضر الواقع مثلاً شعبياً مغربياً صادقاً: «الكذاب يغلب الطمّاع»؛ فحين يتعطل السؤال ويغيب الشك، يصبح الكذب أكثر إقناعاً.
ما زاد من خطورة التجربة أن المنصة لم تكتفِ بالفضاء الرقمي، بل انتقلت إلى الواقع، فافتتحت مكاتب، ونظمت لقاءات، وروّجت لقصص نجاح براقة، في محاولة لإضفاء شرعية نفسية واجتماعية على نشاطها. هذا المزج بين الافتراضي والمادي خلق شعوراً زائفاً بالأمان، ودفع كثيرين إلى استثمار مبالغ أكبر، بل وإقناع محيطهم القريب بالدخول في التجربة نفسها.
ومع مرور الوقت، بدأ القناع يسقط تدريجياً. تأخيرات في صرف “الأرباح”، تبريرات غامضة، ثم اختفاء كامل للمنصة من المواقع ووسائل التواصل، في مشهد بات يتكرر مع كل عملية احتيال رقمي مماثلة. حينها فقط، أدرك كثيرون أن الأرباح التي كانوا يتوصلون بها لم تكن سوى أموال مشتركين جدد، وأن الدائرة لا تستمر إلا ما دام هناك من يصدق… ويطمع.
قصة هذه المنصة ليست حالة معزولة، بل مؤشر مقلق على انتشار ثقافة الربح السريع دون إنتاج حقيقي. وهي تطرح سؤالاً جوهرياً: لماذا نصدق أن المال يمكن أن يتكاثر دون مخاطرة، ودون جهد، ودون معرفة؟ ولماذا نغفل أن كل عرض لا يشرح مصدر الربح بوضوح هو، في حد ذاته، إنذار؟
إن التوعية اليوم لم تعد ترفاً، بل ضرورة. فالعالم الرقمي، رغم ما يتيحه من فرص، مليء أيضاً بالفخاخ المصممة بعناية لاستغلال الأحلام والضغوط الاجتماعية. والقاعدة الذهبية التي يجب أن ترسخ في الأذهان بسيطة:
إذا بدا العرض مغرياً أكثر من اللازم… فهو على الأرجح كذلك.
في زمن المنصات الوهمية والوعود السهلة، يبقى الوعي هو خط الدفاع الأول، ويبقى المثل الشعبي أصدق من كل الإعلانات:
الكذاب يغلب الطمّاع… دائماً.
هشام بوغابة



