الاستعمار الجديد.. حين تفقد الدول إرادتها

تشهد المنطقة العربية اليوم حالة من العجز السياسي والضعف الاستراتيجي جعلت إسرائيل قادرة على التحرك بحرية، بل واستباحة الاوطان دون خشية من ردود أفعال مؤثرة. والسبب لا يكمن فقط في تفوق القوة العسكرية أو الدعم الدولي الذي تحظى به، بل في هشاشة البيئة الإقليمية التي لم تعد مؤهلة للرد ولا حتى للتفكير في خيارات بديلة.
الاستعمار الجديد الذي تعاني منه دول المنطقة ليس هو كالمعروف شكلاً تقليدياً كما كان في الماضي، بل هو استعمار قائم على فقدان الإرادة الوطنية. فالدول فاشلة لا تملك اقتصاداً إنتاجياً، ولا تعتمد على مواردها الذاتية، تجد نفسها مرتهنة للخارج، عاجزة عن اتخاذ قرارات سيادية حقيقية. وبذلك تصبح السيادة مجرد شعار، فيما يتحول القرار السياسي إلى انعكاس لمصالح قوى كبرى.
المفارقة أن الخطر اليوم لا يكمن في إسرائيل وحدها، وإنما في أن بعض الدول العربية تحولت إلى كيانات مستهلكة لا تصنع غذاءها ولا سلاحها ولا حتى خطابها السياسي. ومع غياب الرؤية الاستراتيجية، تضعف القدرة على التفاوض أو المقاومة أو حتى الحفاظ على الحد الأدنى من الكرامة الوطنية.
وما القضية الفلسطينية إلا النموذج الأبرز لهذا الخذلان و الانحطاط العربي. فبينما يعرف العالم أن جوهر هذه القضية إنساني بامتياز، يرتبط بحقوق شعب في الحرية والكرامة وتقرير المصير، ظل الخطاب العربي والإسلامي أسيراً فقط للشعارات والصراخ، دون ترجمة عملية على أرض الواقع.
لقد تحولت فلسطين من قضية جامعة للأمة إلى ملف تفاوضي تُدار أوراقه من خارجها، في غياب موقف عربي موحد أو إرادة حقيقية للدفاع عن حقوق الفلسطينيين. وهكذا صار البعد الإنساني العادل للقضية مطموساً خلف ضجيج إعلامي لا يغير شيئاً في ميزان القوى.
في ظل هذا الواقع، يصبح من الضروري التفكير في استعادة عناصر القوة الذاتية، سواء عبر بناء اقتصادات منتجة، أو إعادة الاعتبار للقرار الوطني المستقل. فالعالم لا يحترم إلا القوي، وإسرائيل ليست إلا انعكاساً صارخاً لضعف الآخرين قبل أن تكون تجسيداً لقوتها الذاتية.
هشام بوغابة