فن وثقافة

التصوف في المغرب… بين مدرسة الحب وصراعات الانحراف

لقد كان مثالا في لقاء العلامة، فقيه عصره جلال الدين الرومي، مع الدرويش شمس الدين التبريزي ـ الذي كان ينام في الشوارع ويأكل البقايا عبرة لذوي الالباب ـ درس ومنهج ومنهاج يُقتدى به. فالمتصوف الحق هو ذاك المتواضع الذي يبحث عن الحقيقة بين ثنايا الروح، بعيدًا عن الأنانية والنرجسية، فيرى في الحب والصفاء طريقًا للوصل بالله وبالإنسانية جمعاء.

إن التصوف في عمقه الأصيل منظومة تربوية روحية، غايتها تهذيب النفس وتزكية القلب وربط الإنسان بفطرته الأولى القائمة على الحب. لقد شكّل عبر التاريخ المغربي رافدًا أساسيًا في تكوين الشخصية الروحية والأخلاقية، وقدّم نماذج راقية في التسامح والسمو، وعلّم الناس كيف يكون الدين حبًا وسلوكًا قبل أن يكون مظاهر وشعارات.

غير أن ما نراه اليوم هو انحراف عن هذا الجوهر. فقد صار التصوف في بعض أوساطه مجرد مظاهر فولكلورية وطقوس احتفالية، وتحوّل من مشروع للتربية الروحية إلى ساحة صراعات شخصية وتنظيمية، عاكسةً عكس ما يفترض أن يعكسه من صفاء وارتقاء. لقد ضاع البعد التربوي الذي كان يميز العلاقة بين الشيخ والمريد، وأُفرغت الزوايا من مقاصدها في تزكية النفوس.

إلى جانب ذلك، ابتعدت بعض الخطابات الصوفية عن انشغالات الإنسان اليومية وأسئلته الوجودية، ما جعلها تبدو بعيدة عن الواقع ومحدودة الأثر.

ومع ذلك، فإن المغرب مازال يحتفظ بتراث صوفي عريق، وأصوات نزيهة تحاول إعادة الاعتبار للتصوف في صورته الأصيلة: مدرسة للحب والتسامح، وصفاء يرقى بالإنسان من أسر الأنا إلى رحابة الروح.

ان التصوف في بلادنا يقف عند مفترق طرق: إما أن يستعيد أصالته كطريقٍ للتزكية والسلوك والارتقاء الروحي، أو أن يظل أسير الانحرافات والصراعات التي تُفرغه من مضمونه. والمسؤولية اليوم مشتركة بين العلماء والمشايخ والمريدين، لإحياء جوهره الذي يربط الإنسان بالحب، ويعيده إلى إنسانيته الأولى.

كتبه / هشام بوغابة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى