إقتصاد

فوضى في قطاع البناء: شكايات متزايدة وصراعات مفتوحة بين الزبائن والحرفيين

في أحد أحياء مدينة طنجة، تقف سيدة خمسينية أمام منزلها نصف المبني، تصرخ في وجه مقاول تخلف عن التزامه “اتفقت مع الحرفي على إنهاء الأشغال في أربعة أشهر، لكنه بعد أن قبض نصف الثمن توقف عن العمل. لا عقد بيننا، فقط الثقة… واليوم أعيش كابوساً”.

قصص مثل هذه تتكرر بشكل يومي في مختلف المدن المغربية، وتكشف عمق الأزمة التي يعيشها قطاع البناء والخدمات المرتبطة به، في ظل غياب معايير مهنية صارمة، وتراجع الاحساس بالمسؤولية لدى بعض الأطراف.

غياب التأطير يزيد من حجم الأضرار

أغلبية الزبائن باستطلاعات غير رسمية تعرضوا لتجربة سلبية مع حرفي أو مقاول بناء، إما بسبب التأخير في تسليم المشروع، أو بسبب رداءة التنفيذ، أو بسبب تغيير في السعر المتفق عليه دون مبرر.

من جهة أخرى يبرر بعض الحرفيين ذلك قائلين: “بعض الزبائن لا يثقون بنا، ونحن أيضاً نعاني من زبائن لا يلتزمون بالدفع في الوقت المحدد… لكن المشكلة الكبرى هي أن المهنة أصبحت مفتوحة لأي شخص بدون تكوين أو مراقبة.”

غياب العقود القانونية: أصل البلاء

رغم أن القانون المغربي يُجيز توثيق الاتفاقيات بعقود رسمية حتى في أشغال البناء البسيطة، إلا أن أغلب المعاملات تتم شفويًا، مما يفتح الباب أمام سوء الفهم والنصب والتلاعب.

فاغلبية النزاعات التي تصل إلى المحاكم بين الزبائن والمقاولين تعود لغياب عقد مكتوب يحدد طبيعة الأشغال، التكاليف، والمواعيد.

هل من حلول؟

الحلول ممكنة لكنها تحتاج إلى إرادة سياسية ومجتمعية. فيما يلي بعض المقترحات:

• إلزام الحرفيين بتكوين مهني معتمد والحصول على بطاقة مهنية تجدد كل ثلاث سنوات.

• فرض العقود النموذجية الموقعة عند كل اتفاق عمل، حتى في الأشغال الصغيرة، لحماية الطرفين.

• إحداث منصة رقمية وطنية لتصنيف وتقييم الحرفيين من طرف الزبائن، على غرار مواقع الخدمات في أوروبا.

• تعزيز دور جمعيات حماية المستهلك وتمكينها من التدخل للوساطة عند النزاع.

• خلق مراكز جهوية للتحكيم السريع خاصة بالخدمات الحرفية.

خاتمة: الثقة تبدأ من النظام

لا يمكن أن ننتظر احترافية في قطاع البناء دون تأهيل الحرفي، ولا يمكن أن نحمي الزبون دون قوانين واضحة. بين الطرفين، تضيع الثقة ويتعطل الاقتصاد، وتبقى المشاريع معلقة على وعود لا توثقها سوى الكلمات.

كتبه / هشام بوغابة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى