فن وثقافة

كاظم الساهر… الحارس الأخير على بوابة الفن العربي

أمام الانهيار المتواصل لقيمة الغناء في الوطن العربي، حيث تسلّل الابتذال إلى الكلمات وضاعت الموسيقى بين ضوضاء الإيقاعات التجارية، يظل كاظم الساهر واحدًا من القلائل الذين حافظوا على هيبة الفن ورصانته. فهو لم يكتفِ بأن يكون مطربًا بصوت استثنائي، بل تحوّل إلى مؤسسة قائمة بذاتها، جمعت بين ثلاثة عناصر شكلت العمود الفقري للأغنية العربية الراقية:
• الموسيقى الأكاديمية:
منذ بداياته، تعامل الساهر مع التلحين كمدرسة قائمة على قواعد وأسس، لا كمجرد نزوة عابرة. ألحانه غنية بالتنويعات المقامية، والجمل الموسيقية التي تحترم عقل المستمع قبل أذنه، ما جعله قريبًا من روح التراث ومجدّدًا له في الوقت نفسه.
• الشعر الفصيح الراقي:
حين اختار أن يجعل نزار قباني رفيق دربه، كان القرار بمثابة ثورة في مسار الأغنية العربية. لقد ردّ الاعتبار للقصيدة الفصيحة، وأعطاها حياةً جديدة في زمنٍ كان الشعر فيه يُقصى من الأغنية. ولعل ذلك أحد أسرار خلود أغنياته، إذ امتزج جمال اللغة بعمق اللحن.
• الصوت الواعي بقدراته:
في زمن الأصوات المستهلكة، ظل صوت كاظم الساهر يحترم حدوده وإمكاناته. لم يفرّط في طبقاتٍ لا تناسبه، ولم يركض وراء الصراخ الغنائي، بل قدّم أداءً متوازنًا يتدرج بين العاطفة والشجن والقوة.
بهذا المزيج، استطاع أن يجعل من أغانيه لوحات شمالية ـ على حد تعبير النقاد ـ تتداخل فيها ألوان الموسيقى مع ظلال الشعر وصدى الصوت، ليأخذ المستمع في رحلة داخل بساتين الحب والجمال.
كاظم الساهر لم يكن مجرد مطرب ناجح، بل رمزًا لفكرة مفادها أن الفن العربي لا يموت ما دام هناك من يؤمن بأن الغناء رسالة، وبأن الموسيقى والشعر لغة للروح قبل أن تكونا وسيلة للترفيه.

هشام بوغابة


 

RépondreTransférerAjouter une réaction

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى