كيف ننظر للعزلة عن الناس ؟

بقلم / محمد ياسين بوراس
في هذا المقال البسيط و المتواضع ..، أنقل لكم بما جاء و روي في إعتزال الناس و مدح العزلة على لسان أهل العلم و المعرفة، و ما روي فيها عن الرسول صلى الله عليه وسلم و عمن بعده من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين…، و نخبر عن محلها في الحكمة و موقعها من المصلحة…!!! قراءة ممتعة.و أرجو من المتابعين الأفاضل أن يقرأون المقال بتمعن و تدبر و يُحْسِنُو الإرتياد منها لأنفسهم و ذاتهم التي تستحق فترة عزلة مع ذاتها…!!!و نسأل الله السلامة من شر هذا الزمان و أهله،و نسأله الهدايا و التوفيق و البصيرة و الثبات في زمن كثر فيه الفتن، و الحكم على المظهر لا على الجوهر، و التشبث بكل زائف…!!!أولا…وقبل كل شيئ إني لا ألمح و لا أقصد بثاثا في هذا المقال إلى أن يجعلو الناس من العزلة حياتهم…،حشا ولله…لكن أقصد الإعتدال و الحيطة والحذر و الإقلال من العلاقات بقدر المنفعة،و الإبتعاد عن صحبة أخذ بلا عطاء و “المصالح” و صحبة سيئة الذكر و السمعة.و العزلة لغير عاقل لا تصح أبداً،و ما أحوج الإنسان للعزلة في هذا الزمان..!!حبذا لو تفهم البعض المقصود بالعزلة في قاموسي، لأن الكثير يخلط بين أمور عديدة…فالكثير يسيئ الظن بي و كأن العزلة عن كل ما يؤذينا، تعتبر كُفْرٌ أو جريمة أو خطيئة…!!! عجبا لتفكيرهم الأعوج…!!متى كان إعتزال الناس و شرهم و ما يؤذيك منهم خطيئة…؟؟؟و نبدأ بما جاء في الميل للعزلة و الخلوة ، و من تلك الأقوال ما ذكره الراغب الأصبهاني، فقال: 《 العزلة تُوَفِّرُ العرض،و تستر الفاقة ، و ترفع ثقل المكافأة》. و قد قال أيضا: ما احتنك أحد قط إلا أحب الخلوة.ولا ننسى الغزالي و ما أدراك ما الغزالي… فقد لخص في كتابه الغني عن التعريف ” إحياء علوم الدين ” فوائد العزلة و أفاتها، و ختم كلامه بنصيحة ثمينة لمن إختار طريق العزلة عن الناس، فتدبروها أحبتي…فقال فيها : (( ينبغي للمعتزل أن ينوي بعزلته كف شر نفسه عن الناس أولا، ثم طلب السلامة من شر الأشرار تانيا، ثم الخلاص من آفة القصور عن القيام بحقوق المسلمين ثالثاً، ثم التجرد بكنه الهمة لعبادة الله رابعاً، فهذه آداب نيته…، ثم ليكن في خلوته مواظبا على العلم العمل (فما جدوة علم بلا عمل…!!) و أن يستخدم فكره ليجتني ثمرة العزلة المفيدة. و ليمنع الناس عن أن يكثروا غشيانه و عدم زيارته في وقت شغله،فيشوش أكثر وقته و عزلته مع ذاته…))و مما جاء كذلك على لسان الشافعي رحمه الله؛ في الموازنة بين العزلة و الخلطة، إذ قال: ( يا يونس..!! الإنقباض عن الناس مكسبة للعداوة، و الإنبساط إليهم مجلبة لقرناء السوء، فكن بين المنقبضِ و المنبسط. )و مما روي عن وهيب بن الورد، أنه قال : 《 قلت لِوَهْب بن منبه :إني أريد أن أعتزل الناس…؟ فقال لي: لا بُدَّ لك من الناس و للناس منك، لك إليهم حوائج، و لهم إليك حوائج، و لكن كن فيهم أصمّ سميعاً، أعمى بصيراً، مدركً متغافلا، سكوتا نطوقاً》.و لسنا نريد بهذه العزلة التي نختارها مفارقة الناس في الجماعات و الجُمعاتِ، و ترك حقوقهم في العبادات، و إفشاء السلام و رد التحيات،إلخ…، إنما نريد بالعزلة ترك فضول الصحبة، و نبذ الزيادة منها،و حط العِلاوةِ التي لا حاجة بك إليها.و حتى لا نطيل عليكم المقال مما جاء في العزلة على لسان الكثير من أهل العلم و الفقه و الأدباء..،و أكون خفيف الظل عليكم،إكتفيت لكم فقط بأقوال كل من راغب الأصبهاني و الغزالي، و الشافعي و وهيب بن الورد…و الآن لنبدأ و نتذكر ما جاء في مدح العزلة،و ما روي فيها عن حبيبنا و شفيعنا رسولنا الكريم محمد عليه افضل الصلاة والسلام،و عمن بعده من الصحابة رضي الله عنهم. ◇العزلة في عهد الصحابة رضي الله عنهم ◇قال الله عز وجل في كتابه الكريم عن حكاية إبراهيم؛ {و أعتزلكم وما تدعون من دون الله و أدعوا ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا《48》} صدق الله العظيم. [سورة مريم،الآية 48]اِعْتَصم خليل الله إبراهيم بالعزلة، و استظهر بها على قومه عند جفائهم إياه، و خلافِهم له في عبادة الأصنام و معاندة للحق، فابتعد عنهم و فارقهم…و كفاه الله تعالى أمرهم، و عصمه من شرهم ،بل و أثابه على ذلك، و عوضه النصرة بالذرية الصالحة الطيبة و جعلهم أنبياء ، و قال الله عز وجل، و هو أجلُّ قال : { فلما اعتزلهم و ما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق و يعقوب و كلاًّ جعلنا نبيا《49》و وهبنا لهم من رحمتنا و جعلنا لهم لسان صدق عليا《50》. صدق الله العظيم.و قال الله سبحانه و تعالى في قصة موسى عليه السلام {و إني عذت بربي و ربكم أن ترجمون《20》و إن لم تؤمنوا لي فاعتزلونِ《21》. صدق الله العظيم. [سورة الدخان،الآية 20/21]فلما ظهر لنبي الله تعالى موسى عنادهم في قبول الدعوة،و لم يؤمنوا به،و إصرارهم على منابذة الحق، فزع نبي الله تعالى إلى العزلة.و قد قال الشيخ أبو سليمان فيما يرويه عن أذية قوم قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، •و قد اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه قريشا لما جفوه و أذوه، فدخل الشِّعْبَ،(و المقصود به هو الشعب الذي أوى إليه رسول الله و بنو هاشم، لما تحالفت قريش على بنو هاشم.) فأمر أصحابه بإعتزالهم و الهجرة إلى أرض الحبشة .تم تحول إلى المدينة مهاجراً،حتى تَلاَحَقَ به أصحابه،و توافَوْا بها معه،فرفع الله تعالى كلمته،و تولى إعزازه و نصرته صلى الله عليه وسلم رغم كيد قوم قريش الذين أذوه و جفوه.و فيما روي أيضا عن رسول الله محمد عليه افضل الصلاة والسلام.فعن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: بينما نحن حول رسول الله إذ ذكرت الفتنة، أو ذكرت عنده، فقال صلى الله عليه وسلم :《إذا رأيتم الناس مَرِجَتْ عهودهم،و خفت أماناتهم و كانوا هكذا》و شبك بين أصابعه. قال: فقمت إليه فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك..؟ فقال صلى الله عليه وسلم 《 إلزم بيتك،و املك عليك لسانك، و خذ ما تعرف،و دع ما تُنْكِرُ، و عليك بأمر الخاصة، و دع عنك أمر العامة 》.و كان يقول العرب القدامى: أن العزلة عند الفتنة سنة الأنبياء، و عصمة الأولياء،و سيرة الحكماء، فلا أعلم لمن عابها عذراً يصح، لا سيما في هذا الزمان القليل خيره، البكيء ذره، و بالله نستعيذ من شره و رَيْبِه.(البكيء: الناقة إذا قل لبنها)و للحديث بقية، و نكتفي أحبتي الأفاضل بهذا القدر المتواضع من المقال في حين يتجدد لقائنا لتتمة المقال… ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، نسأل الله الهداية و الثباث، و نسأله التوفيق في كل أمورنا. و السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
محبكم واخوكم محمد ياسين بوراس

بقلم /الشاب مجمد ياسين بوراس