المغرب يحتفل بعيد الاستقلال 69 سنة مسارات من النضال الطويلة

![]()

تحلّ غدا الذكرى التاسعة والستون لعيد الاستقلال، وهي مناسبة يعود فيها المغاربة إلى إحدى أهم لحظات تاريخهم الحديث، لحظة أعلنت نهاية ما سمي بـ” نظام الحماية” وبداية بناء دولة ذات سيادة.
ومع كل احتفاء بهذه الذكرى، تستعاد مسارات النضال الطويلة التي خاضها المغاربة، من الكفاح المسلّح إلى العمل السياسي الوطني، ومن مواقف العرش إلى تحركات الحركة الوطنية، وصولا إلى اللحظة التي أعلن فيها محمد الخامس استقلال البلاد في 18 نونبر 1956 بعد عام كامل من عودته من المنفى في 16 نونبر 1955.
غير أن هذا المسار لم يبدأ في الخمسينيات فقط، بل كانت له مقدمات قوية، من أبرزها خطاب طنجة الشهير في 9 أبريل 1947، حين توجه الملك محمد الخامس إلى المدينة الدولية ليعلن أمام ممثلي القوى العالمية أن المغرب دولة واحدة موحدة من طنجة إلى الكويرة، وأن شعبه عازم على استرجاع سيادته كاملة.
وقد قال آنذاك عبارته الشهيرة: «إن حق الأمة المغربية لا يضيع ولن يضيع»، في رسالة سياسية واضحة إلى سلطات الاستعمار الفرنسية وإلى المنتظم الدولي.
ولم يكن اختيار طنجة اعتباطيا؛ فالمدينة، التي كانت خاضعة لنظام دولي منذ سنة 1923، شكلت نافذة مغربية على العالم، ومنبرا دبلوماسيا يسمح بإعلان الموقف الوطني أمام القوى الكبرى التي تدير شؤون المنطقة.
وجاء خطاب طنجة في ظرفية مشحونة، إذ سبقه بيومين فقط مجزرة الدار البيضاء في 7 و8 أبريل 1947، التي ارتكبتها قوات الاحتلال الفرنسي لترهيب المغاربة وثني العرش عن زيارة طنجة.
ورغم ذلك، أصرّ الملك على السفر، معيدا بذلك الثقة للحركة الوطنية ومثبتا أن مسار المطالبة بالاستقلال لن يتراجع. وقد اعتُبر هذا الخطاب نقطة تحول دفعت بمسار التحرر الوطني إلى مرحلة أكثر وضوحاً وقوة.
تضحيات المغاربة لم تكن حكرا على محور واحد، بل شكلت جهات المملكة كلها فضاء للمقاومة. ففي الشمال، قاد محمد عبد الكريم الخطابي واحدة من أبرز الثورات التحررية ضد الاستعمار الإسباني بين 1921 و1926، في منطقة الريف، وقدّم درسا عالميا في حرب العصابات وهزم واحدة من أكبر الجيوش الأوروبية حينها.
وفي الجنوب، كانت مقاومتهم شرسة ضد التوسع الإسباني أيضا، من سيدي إفني إلى الصحراء، حيث سقط شهداء كثيرون في معارك متفرقة.
أما في الوسط والغرب، فبرزت مقاومة شرسة للاستعمار الفرنسي، سواء عبر المواجهة المسلحة أو عبر تنظيم العمل السياسي السري والعلني، من ثورة محمد الزرقطوني إلى خلايا المقاومة في الدار البيضاء والرباط وسلا.
وفي قلب هذا المسار، لعبت الحركة الوطنية دورا أساسيا في بلورة المطالب السياسية، بدءا من تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944، وهي الوثيقة التي شكّلت منعطفا حقيقيا في تحويل المقاومة من مجرد رد فعل إلى مشروع تحرر وطني مكتمل الرؤية.
ووجدت الحركة الوطنية في الملك محمد الخامس سندا ثابتا، إذ تمسك بالتحالف التاريخي بين العرش والشعب، وهو التحالف الذي كلّف الأسرة الملكية ثمنا باهظا، بلغ ذروته في نفي الملك والأسرة الملكية يوم 20 غشت 1953 إلى كورسيكا ثم مدغشقر، بعد رفضه التوقيع على قرارات الاستعمار ومحاولات تعويضه بسلطان بديل.
هذا النفي أشعل نار المقاومة أكثر، فتنظمت صفوف المجاهدين واشتعلت العمليات الفدائية، ليتحوّل الضغط الداخلي والدولي إلى قوة أجبرت سلطات الحماية على إعادة الملك في 16 نونبر 1955، في مشهد تاريخي استقبله فيه المغاربة باعتباره إعلانا غير مباشر بانتصارهم.
ومع حلول الذكرى التاسعة والستين للاستقلال، يستعيد المغاربة تلك اللحظات المؤسِّسة؛ خطاب طنجة الذي مهّد للإعلان السياسي عن الوحدة والسيادة، دماء الشهداء الذين سقطوا من الريف إلى الأطلس والصحراء، وصمود الملك والحركة الوطنية في وجه محاولات الاحتلال تمزيق البلاد وإسكات صوتها.
إنها ذكرى تُذكِّر بأن استقلال المغرب لم يُمنح، بل انتُزع عبر مسار طويل من المقاومة والتضحيات، وبأن وحدة التراب الوطني التي أعلنها محمد الخامس من طنجة ما زالت اليوم تمثل جوهر الوعي الوطني المغربي ورمز استمرار الدولة.



